ليس لك ام يا محمد . . . لماذا تشتري الورد ؟ ( قصة مؤثرة )
لم يعي الطفل محمد السموني سبب تجمع أطفال روضته عند بائع الورود، فتقدم راغباً اقتناء بعضها، ليصدم بأحدهم يقول له "ليس لك يا محمد أم، لماذا تشتري ورد؟"، لكن الطفل الذي لا زال ينتظر عودة والدته أبى إلا أن يحتفل بعيدها عند قبرها.
وفي ساعات الصباح الأولى خرجت الطفلة شيرين السموني مصطحبة إخوتها حاملين الورود ومتجهين نحو المكان الذي ترقد فيه والدتهم، ليقيموا احتفالهم الخاص بيوم الأم الذي يحل اليوم السبت 21 من مارس.
ولم تستطع شيرين (12 عاماً) الأخت الكبرى أن تتمالك نفسها وهي تضع الورود على قبر والدتها، فرددت بصوت تخنقه العبرات "كل عام وأنتي بخير يا أمي، جئناكي ككل سنة، لكن هذه المرة بالورود لأنك لا تقدري أن تأخذي هدية غيرها".
والشهيدة حنان السموني واحدة من مئات النساء اللاتي قتلن خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة لمدة 23 يوما وقتل خلاله 1450 شهيداً نصفهم من النساء والأطفال.
حفل أليم
وبدأ احتفال الأطفال الستة "شيرين وشقيقها الرضيع أحمد، ومحمود، محمد، حنين وختام" في مقبرة "أبو شعبان" (وسط غزة) القريبة من المنزل الذي يقيمون فيه عند أحد أقاربهم، باستحضار آخر صورة ولحظات لوالدتهم معهم والتي غطت على ما دونها من المشاهد.
تقول شيرين معبرة عن ألام إخوتها في "يوم الأم" في حديثها للشبكة الإعلامية الفلسطينية "كنا نتسابق على أمي بالهدايا، حتى أني السنة الماضية اشتريت لها ساعة يد واحتفظت بها، كانت تلبسها عندما تخرج وأعجبتها كثير".
وتابعت الطفلة واضعة يدها على وجهها "لكن اليهود لم يبقوا شيء، راحت الهدايا وماتت أمي، لو أننا لم نراها حينما ماتت لكان أهو علينا، صورتها وهي ميتة لا تغيب فكلنا رأيناها حنيما قتلوها".
وكانت مجزرة عائلة السموني من أبشع المجازر التي ارتكبها جيش الاحتلال في عدوانه على غزة، وراح ضحيتها 23 فرداً قام الجنود بتجميعهم داخل أحد المنازل وهدمها فوقهم، وكان جلهم أطفال ونساء بقوا تحت الركام مدة 12 يوماً.
ورود ودماء
بينما لم تستحضر ألوان "ورود القرنفل" الحمراء التي وضعها الطفل "محمد" على قبر والدته سوى مشهد الدماء، فاندفع يسرد بلهجة متقطعة "حينها ماتت أمي وبللت قميصي بدمها وظلت نائمة لا تتكلم ثم جاءوا بها إلى هنا".
ويعاني محمد آلام نفسية كبيرة منذ أن شاهد جنود الاحتلال يقتلون أمه. وتقول شقيقته شيرين: إن حالة من الرعشة تسيطر على محمد أثناء مروره بالقرب من قبر الأم ويأخذ بالصراخ والمناداة على والدته.
أما محمود الذي عُرف بشقاوته، فقد طلب وهو بين يدي والدته أن تسامحه على تصرفاته التي كانت تثير إزعاجها، وقال "كنت أكثر واحد بين إخواني أتعب أمي، حينما كنت ألعب بملابس المدرسة ولا أبدلها إلا في الليل، كانت دائما تضربني لهذا السبب". وتساءل الطفل البالغ 10 سنوات على استحياء بين إخوته "بالكم ستسامحني أمي؟ يارب تسامحني".
في المقابل
على الجانب الأخر توجهت أمهات ثكلى نحو قبور أطفالهن الذين اختطفتهم صواريخ الاحتلال في حربها الأخيرة، في صورة تظهر لوعة فقدانهن لهم، كانت أم محمد الأسطل التي فقدت طفليها الوحيدين واحدة منهن.
ولا زالت تردد الأم "حبيبيا الوحيدان" في حديثها مع الشبكة الإعلامية الفلسطينية وهي تقول "في هذا اليوم كان محمد وعبد يتسابقان علي بالقبلات ومحمد يحمل قلبه هدية لي، واليوم أفقدهم بمرارة فبعدهم صرت أم بلا أولادي".
وتتحسر الأم على حملها صورة المستقبل التي كانت ترسمها لطفليها اللذين استشهدا خلال الحرب حينما استهدفتهما طائرة استطلاع إسرائيلية وهما يلعبان في فناء منزلهما في منطقة القرارة جنوب قطاع غزة.
وتقول "ماذا كان يضر اليهود لو تركوا لي واحداً منهم لأفرح برؤيتي له يكبر ويكبر أمامي ويحمل اسمي؟، الأيام والمناسبات كثيرة ستزيد من همي، ولا أرجوا إلا الصبر من الله".